1928 موعد البشرية مع أهم الاكتشافات الطبية

 

لم يكن عام 1941 عاماً جيداً للبكتيريا المُمرِضة التي كانت تفتك بآلاف البشر، وتسبب أمراضاً مميتةً لهم، فقد كانت البشرية على موعدٍ مع أحد أهم الاكتشافات الطبية العظيمة التي أدت إلى كبح جماح هذه البكتيريا ووقف نهش أجساد المرضى الذين تصيبهم، حيث كان هذا الاكتشاف العظيم سبباً في انخفاض نسبة الوفيات جراء الإصابة بهذه البكتيريا انخفاضاً هائلاً. ولنا أن نتصور أن التهاب جرحٍ ما في الجسد كان من الممكن أن يؤدي إلى الوفاة، وهو السبب الذي أدى إلى ارتفاع أعداد الضحايا في الحرب العالمية الأولى.

المضادات الحيوية Antibiotics، تُمثل واحداً من أهم الاكتشافات الطبية، والتي أنقذت عددًا لا يحصى من الأرواح البشرية إما من موتٍ محقق أو عاهة مستديمة، وهي سلاحٌ فتاك ضد البكتيريا المُمرِضة، حيث تقضي المضادات الحيوية على أنواعٍ واسعة من البكتيريا والمضادات الحيوية عبارة عن، مواد طبيعية مستخلصة من كائنات حية تعمل ضد البكتيريا إما بالقضاء عليها أو وقف نشاطها داخل جسم الإنسان.

أول مضاد حيوي تم اكتشافه هو البنسلين Penicillin، وكان ذلك في عام 1928م عن طريق الطبيب ألكسندر فلمنج، حيثُ لم يكن اكتشافه ضمن خطط وأهداف هذا الطبيب. كان الطبيب فلمنج يعمل في مختبره أعماله المعتادة في استزراع البكتيريا على بيئتها الغذائية داخل أطباق خاصة تُعرف باسم "أطباق بتري" ويتركها لتنمو. وفي إحدى المرات وبعد عودته لمعمله بعد عدة أيام وأثناء تفحصه لنمو البكتيريا في أطباق بتري، لفت انتباهه وجود كتلة نامية من العفن، حيث بدت المنطقة حول هذه الكتلة خالية تماماً من البكتيريا. وبتفحصه لهذه الكتلة من العفن وجد أنها نمو لفطر يُسمى "Penicillium notatum". أجرى تجاربه وأبحاثه على هذا الفطر وتأثيره على البكتيريا ومدى تضرر خلايا الإنسان منه، ونشر نتائج أبحاثه عام 1929م. بعد مرور عشر سنوات قام العالمان البريطانيان هوارد فلوري وآرنست تشين بقراءة ما كتبه فلمنج، فقاما بإعادة تجاربه، وإجراء المزيد من التجارب على حيوانات المختبر، وفي عام 1941م استخدما البنسلين على بعض المرضى وأثبت نجاحه بشكل كبير.

ومع إنتاجه بكميات تجارية من قبل الشركات الطبية، تم استخدامه لعلاج مرضى الحرب العالمية الثانية عام 1944م، حيث أدى إلى انخفاض هائل في نسبة وفيات الجنود المصابين بجروح مقارنةً بمثيلهم في الحرب العالمية الأولى.

لا يقتصر عمل البنسلين على قتل البكتيريا التي تسبب التهابات أو تلوث للجروح فقط، بل يمكن استخدامه لعلاج بعض الأمراض، مثل: الزهري والسيلان والحمى القرمزية والدفتيريا والتهاب المفاصل والالتهاب الرئوي وتسمم الدم وأمراض العظام والسل والغرغرينا وغيرها.

ومع التطورات العلمية وتعدد الأبحاث والتجارب المعملية تم اكتشاف العديد من المضادات الحيوية التي ساهمت جنباً لجنب مع البنسلين في القضاء على العديد من الأمراض الفتاكة وحفظ الأرواح من بعض البكتيريا القاتلة. وبالتوسع عالمياً في استخدام المضادات الحيوية، ظهرت بعضاً من مظاهر الاستخدام السيء لها من قبل المتعاملين بها، مما نتج عنه ما يُعرف بمقاومة المضادات الحيوية Antibiotic resistant، ويعني ظهور سلالات بكتيرية ممرضة مقاومة للمضادات حيث سُجل على مستوى العالم عدداً من الوفيات بسبب بكتيريا كان يُقضى عليها بالمضادات الحيوية، وبسبب سوء استخدام المضادات الحيوية أصبحت هذه البكتيريا تمتلك القدرة على مقاومة المضاد الحيوي وإبطال تأثيره عليها، وهذا لاشك خطرٌ تحذر منه المنظمات والهيئات الصحية في جميع دول العالم، وتتخذ التدابير الكافية للحد من وقف توسع البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، وذلك بالتشديد على ضرورة عدم الإسراف في استخدام المضادات، والحد من استخدامها، وحصر صرفه وفق وصفة طبية، والتوعية بأهمية التزام المريض بتعليمات تناوله بدقة، حيثُ تُشير إحصائية مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، أن ثلث استخدامات البشر للمضادات الحيوية ليس ضرورياً أو لم يتم بالطريقة المناسبة.

إن قدرة المضادات الحيوية الهائلة في القضاء على الأمراض البكتيرية، وبآثار جانبية محدودة في الغالب، جعلت الناس يسرفون في استخدامها ودون مراجعة الطبيب، وتظهر إساءة استخدام المضادات الحيوية في عدة صور، منها:

1. استخدامها لمعالجة العدوى الفيروسية.

2. عدم التزام المريض بالأيام المحددة لتناول المضاد الحيوي، حيث يتوقف من تلقاء نفسه عن تناوله فور شعوره بتحسن.

3. عدم التقيد بالمدة الزمنية الفاصلة بين عدد مرات تناول المضاد الحيوي في اليوم الواحد، الأمر الذي يُضعف من تأثير المضاد على مسبب المرض.

4. المشاركة في تناول المضاد الحيوي لأكثر من شخص.

5. تناول المضاد الحيوي من تلقاء المريض دون فحص الطبيب واستشارته.

6. إلحاح المريض على الطبيب بضرورة إعطائه مضاد حيوي، رغم عدم حاجته.

ومن أجل وقف مقاومة البكتيريا الممرضة للمضادات الحيوية، ووقف التأثيرات الجانبية لها، وتقوية جهاز مناعة الإنسان، ليس عليك سوى مخالفة النقاط الست أعلاه.

وبالعموم من الأفضل صحياً عدم تناول الأدوية والمسكنات، والمضادات الحيوية خصوصاً، إلا في أضيق الحدود، لما لها من أعراض جانبية كالقضاء على الميكروبات الأليفة “Normal Flora” الموجودة في الجسم، وإضعاف قدرة جهاز المناعة على مقاومة الجراثيم المُمرِضة، وغيرها من الأعراض الجانبية.

 

دمتم سالمين،،

أ. احمد النملة