ربما سمع البعض عمّا يدور في أروقة المحاكم عن العديد من المرافعات التي يعتقد أطرافها أنهم أضاعوا حقوقهم أو ربما يعتقدوا أنهم فقدوها بسبب عدم إلمامهم الكامل بالنظام أو ربما في أحيان أخرى بسبب تقاعسهم عن متابعتها، والجملة التي يرددها الأغلبية إن لم يكن الجميع من هذه الشريحة من الناس "القانون.. لا يحمي المغفلين".
إلا أن الحقيقة ومن تجارب واقعية مخالفة لذلك تمامًا.. أن القانون يحمي الجميع بلا استثناء، حيث أن الهدف من التشريعات واللوائح التي يُعمل بها هو تنظيم العلاقة بين مختلف الأطراف، وقوة القانون تكمن في توفير قواعد آمره لا يمكن الاتفاق على مخالفتها، وإن تم الاتفاق على ذلك يبطل الاتفاق بقوة القانون. على سبيل المثال: أوجبت مواد نظام العمل السعودي ولوائحه التمتّع بالإجازة السنوية في سنة استحقاقها لما لذلك من أثر صحي ينعكس على أداء العامل ويمتد لأسرته، ولضمان حصول الطرف الأضعف في العلاقة التعاقدية على حقوقه، وهذا ما يهدف إليه النظام عبر المواد والنصوص التي تؤكد استحقاق العامل في كل عام لإجازة سنوية لا تقل مدتها عن واحد وعشرون يوماً، تُزاد إلى مدة لا تقل عن ثلاثون يوماً إذا أمضى العامل في خدمة صاحب العمل خمس سنوات متصلة مدفوعة الأجر مقدماً، ويُمنع تنازل العامل أو تقاضي بدلاً نقدياً عنها أثناء الخدمة، ويُشترط الحصول على موافقة العامل كتابياً إذا اقتضت ظروف العمل تأجيل الإجازة لمدة تزيد عن تسعون يوماً، وتؤكد على حقه في الحصول على إجازة بأجر كامل في الأعياد والمناسبات المذكورة في اللائحة.
عودةً إلى موضوعنا الأساسي، ماذا لو لم يستفد العامل من حقوقه التي كفلها له النظام لجهله بها؟ هل يحميه القانون؟ أقول وبكل ثقة: "نعم.. يحميه حتى وإن استقال من العمل يتم تعويضه عن حقوقه"؛ لأن القانون يحمي دائماً حسن النية، حيث أن القاعدة العامة في تفسير مواد ولوائح نظام العمل وقرارات وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، أن تكون لما فيه مصلحة العمال، فنظام العمل لم يوضح هل أيام الإجازة السنوية المنصوص عليها في النظام أيام عمل أم أيام تقويمية؟ إلا أن التفسير المعمول به هو الأصلح للعامل، حيث أصبحت الجهات الخاضعة للنظام تتنافس فيما بينها لتقديم المميزات الوظيفية التي تتجاوز الحد الأدنى المنصوص عليه في النظام لخلق بيئة عمل جاذبة ومحفزة تدعم الإبداع والابتكار وتحافظ على استمرار منسوبيها لأطول مدة ممكنة الأمر الذي ينعكس إيجاباً على أداء المنشأة واستدامتها.