الشغف الوظيفي ..ضرورة إنسانية اقتصادية لتحقيق رؤيتنا الوطنية!
الشغف هو جِلدة القلب وغلافها، وهو لسانه الذي يتحدث به، كما أنه أعلى درجات الحب، وهو جنون الإنسان وميلانه نحو شيءٍ معين، وأعتقد أن الشغف في العمل هو سلم النجاح، وهو طاقتك التي (تتوقد) داخلك، وتدفعك نحو النشاط والإبداع، حتى أن الشغوف لا يهتم بالنتائج، ولا يمل ولا ييأس حتى يُحقق هدفه، فهو يُحب الممارسة و(ينغمس) بتفاصيلها حتى يصل إلى لذتها، فيروي نزعته ويشبع عاطفته!
والشغف الوظيفي - برأيي- هو القلب النابض لمنظومة العمل، إلا أن عيبه وسيئته أنه "عاطفة جياشة" تغمر الموظف وتتدفق من مهامه اليومية، وهو لا ينحصر في الموظفين المبدعين فقط، وإنما لكل من لديه عاطفة مهما كان مستواه الوظيفي، ويُخطئ من يحاول تجريده أو (تفكيكه وإبعاده) عن الإنجاز، لأنهما يأخذان اتجاه الصعود أو النزول معاً، ويتماهيان حتى الذوبان في بعضهما البعض.
وإن كان مصطلح الشغف الوظيفي حديثاً، إلا أن القائد الذي لا يغرسه في نفوس موظفيه، يحتاج إلى مهارات وجدانية تتجاوز الجانب الإداري والتخطيط الاستراتيجي إلى النواحي النفسية والاجتماعية، كما أن المنظمة التي لا تقيسه من خلال الموارد البشرية، ولا (تتلمسه) بطرقٍ غير مباشرة، هي منظمة طاردة، وبيئتها تحتاج إلى من (ينفخ) في شرايينها (أوكسجين) الإنسانية؛ لأن ارتفاع الأرقام في نهاية العام، لا يعني بالضرورة مثالية بيئة العمل وسلامتها المهنية!
والموظف التعيس، هو: الذي لا يعرف كيف يؤسس قاعدة الشغف الوظيفي داخل نفسه ويعجز عن بنائها؛ ذلك أن الشغف سعادة، وهو حُب بالدرجة الأولى، ولا يُمكن أن تصنعه الدورات التدريبية أو الدرجات العلمية، فهو ممارسة وذكاء عاطفي اجتماعي، كما أنه شعورك بالاطمئنان نحو مستقبلك الوظيفي، ومدى تفاهمك مع فريق العمل الذي يؤازرك وتؤازره. إذاً مصدره الرئيس داخلي من ذات الإنسان، وثانوي أيضاً من المنشأة وبيئتها. لذا يجب عليك تأسيسه داخلك، ثم تغذيته بما تقدمه لك المنشأة التي تعمل بها من مميزات، وكذلك فريقك الذي يعمل معك فيساندك وتعاضده في تحقيق الأهداف العامة للمنشأة والأهداف الخاصة للقطاع الذي تعملون به سوياً.
دعونا نفكر! ونحن بالربع الأخير من العام 2022 في العمل على تأسيس أبجديات الشغف الوظيفي عند كافة موظفينا من خلال تعاملاتنا الإنسانية، التي تُسهم في دعم الموظف أولاً والمنشأة ثانياً؛ لأجل الوصول إلى ممارسات وظيفية فاعلة تواكب نجاحات برنامج تنمية القدرات البشرية، الذي أحدث فارقاً إيجابياً كبيراً في ثقافة العاملين بالمنشآت السعودية؛ مما أسهم في دعم الاقتصاد الوطني، واستطاع أن يتماشى مع التنمية الشاملة التي تعيشها بلادنا، وتسعى إلى تحقيقها رؤية المملكة 2030.
د. حادي العنزي